ما تزال تداعيات الحكم الذي أصدرته محكمة جنح سفاجا يوم الأحد الماضي بتبرئة مالك العبارة "السلام 98" وآخرين، يلقي بظلاله على الساحة السياسية والشعبية في مصر بسبب ما أحدثه من غضب وسخط عارمين بين أقارب أكثر من ألف شخص لقوا حتفهم غرقا عام 2006 .
ففي الوقت الذي وصف فيه عدد من السياسيين المصريين حكم المحكمة بأنه صورة فساد جديدة تضاف إلي الملفات السوداء في تاريخ الأمة، طالب المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض، المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام، بإصدار بيان عن مصير الاتهامات والوقائع الأخري في قضية غرق العبارة المتهم فيها ممدوح إسماعيل وآخرون.
وقال مكي لصحيفة "البديل" المصرية المستقلة: إذا لم يصدر بشأن هذه الاتهامات قرار فأطالبه بالكشف عن إمكانية تحريك الدعوي وتعديل قرار الاتهام وإضافة هذه الاتهامات للمتهمين".
كما طالب مكي رئيس الجمهورية والحكومة بإصدار بيان حول ملابسات القضية، ومصير تقرير لجنة تقصي الحقائق بمجلس الشعب.
في نفس السياق، قال الدكتور عمار علي حسن، المتخصص في العلوم السياسية، إن المجتمع المصري حالياً عبارة عن "فئة محتكرة ومجتمع جائع"، مشيراً إلي أن هذا الوضع "يدفعنا إلي التفكير بجدية في التنمية الذاتية كبديل لما يحدث من بيع للقطاع العام وعمليات الخصخصة التي زادتنا فقراً وتخلفاً" - علي حد قوله.
وأضاف حسن خلال ندوة نظمتها الهيئة العامة للكتاب مساء أمس الأول، أن النخب التي وصلت إلي السلطة في مصر ودول العالم العربي بعد استقلالها، ما هي إلا نخب "استعمار ذاتي عميلة" خانت شعوبها وأدت بها إلي الانحطاط والتخلف والفقر أكثر مما كانت عليه في عهد الاستعمار.
ووصف حسن حكم محكمة سفاجا حول قضية العبارة، بأنه صورة من صور الفساد وقضية أمن قومي سوف تضاف إلي الملفات السوداء في تاريخ الأمة، مؤكداً أن الفساد في مصر انتقل من مرحلة "النعومة" إلي مرحلة "الوحشية والتبجح".
من جانبه، طالب الدكتور محمد هيكل، أستاذ العلوم الإدارية والقانونية، بجامعة عين شمس، بتوفير ضمانات حقيقية لحماية المواطنين، متسائلاً عن السبب الذي يدفعهم للبقاء في مصر إذا لم تتوافر عدالة القضاء وتحقق المساواة.
ملاك العبارة
في هذه الأثناء، فجر الكاتب الصحفي مدحت الزاهد بصحيفة "البديل" مفاجأة من العيار الثقيل عندما ذكر أن ممدوح إسماعيل، رئيس مجلس إدارة شركة السلام للنقل البحري، ليس مالك العبارة، بل هو الوكيل الملاحي لـ 21 عبارة تحتكر خط البحر الأحمر، متساءلا عن الاسماء الحقيقية للملاك؟.
وقال الزاهد، ممدوح إسماعيل قد يكون شريكا في الملكية أو غطاء لملاك كبار لم نعرفهم وربما لن نعرفهم أبدا، وبالتالي لن يفيد في شيء توجيه استغاثات لمبارك واتهامات للقضاء، فكل هذا يوحي بأننا أمام مشكلة حكم أخطأ فيه القاضي، وجار تصحيحه وليس جريمة ارتكبتها مجموعة من أصحاب الثروة والنفوذ وتمت التغطية عليها جيدا.
ولم يسمح أحد من هؤلاء الكبار بتحويل الوكيل الملاحي إلي كبش فداء بل هرب من البلاد ، وانحصرت تهمته في عدم إبلاغ جهات الإنقاذ، وبالتالي أصبح القاضي هو كبش الفداء.
وأضاف الزاهد، إن الرأي العام ينتظر بيانا سياسيا عاجلاً من الحكومة يجيب عن الأسئلة التالية:
1- من هم ملاك العبارة؟
2- لماذا احتكر ممدوح إسماعيل خط البحر الأحمر؟
3- هل كان قانونيا وعادلا إعفاء شركته من الضرائب؟
4- هل صحيح ما تردد عن غرق هذه العبارة في بلجيكا قبل شرائها خردة؟
5- ما هي مبررات رئيس الجمهورية في تعيينه بمجلس الشوري؟
6- كيف هرب من مصر قبل المحاكمة؟
7- ما مسئولية الأجهزة المسئولة عن السلامة المهنية لوسائل النقل؟
8- ما هي مسئولية أجهزة الإنقاذ؟
9- ماذا فعلت الحكومة مع تقرير لجنة تقصي الحقائق بمجلس الشعب؟
10- هل ثبت أن الوزير محمد منصور (منصور شيفروليه) لم يقصر كوزير للنقل في هذا الحادث وعدد من الكوارث الأخري؟
غليان في مصر
ذهول على وجه أهالي ضحايا العبارة بعد سماع الحكم
كان قرار محكمة جنح سفاجا بتبرئة مالك العبارة المصرية "السلام 98" ممدوح إسماعيل التى غرقت فى مياه البحر الحمر فى فبراير/ شباط عام 2006 وعلى متنها أكثر من ألف شخص فى واحدة من أسوأ كوارث النقل البحرى فى تاريخ مصر، قد أثار غضبا وسخطا عارمين في أوساط المصريين خاصة أسر الضحايا الذين أصيبوا بالذهول بعد سماعهم لقرار المحكمة.
وأصيب أقارب الضحايا داخل المكمة بصدمة كادت أن تنزع أرواحهم، صرخات وعويل وبكاء .. لم يصدقوا ما سمعوه.. بعضهم أخذ يضحك من قوة الصدمة، وآخرون جلسوا يفكرون.. هل هم في حلم أم أنها هي الحقيقة المرة.. ومجموعة ثالثة أصيبوا بالجنون، يصرخون يضربون وجوههم.. يرددون "حسبي الله ونعم الوكيل".
وكانت تقارير حكومية قد أرجعت غرق العبارة الى اندلاع حريق فى احد محركاتها ما أدى إلى انتشاره فى مرأب السيارات التابع للعبارة قبل ان تشتعل النيران فيها بالكامل.
إلا أن تقارير مستقلة قالت إن عوامل الأمان فى العبارة كانت محدودة وخاصة عدم وجود قوارب إنقاذ تكفى جميع الركاب، بالإضافة الى قيام طاقمها بتحميل حمولة بشرية أعلى من قدرة استيعابها.
واتهمت صحف مصرية معارضة الحكومة بتسهيل هروب إسماعيل ونجله الى لندن قبيل قيام النائب العام بإصدار مذكرة لاعتقاله. وراجت تقارير بأن سلطات ميناء سفاجا المصرى لم تتدخل لإنقاذ العبارة إلا بعد ست ساعات من غرقها فى عرض البحر بسبب تأخر الشركة المالكة فى تبليغ السلطات بغرقها.
ولم تصدر محكمة سفاجا سوى حكم واحد بالسجن بحق قبطان العبارة "سانت كاترين" صلاح جمعة لمدة ستة أشهر وكفالة 10 آلاف جنيه "نحو 1890 دولارا" لامتناعه عن إنقاذ ركاب العبارة "السلام 98" والتى كان يسير بالقرب منها وسمع نداءات استغاثتها .
وبرأت المحكمة أيضا ثلاثة من مسئولى الشركة وهم نائب رئيس مجلس الإدارة ممدوح عرابى ،ومدير أسطول الشركة عماد أبو طالب، ومدير فرع الشركة فى سفاجا نبيل شلبي.
وكانت أولى جلسات المحاكمة قد بدأت فى يوليو/تموز عام 2006 وطالبت النيابة فى مرافعتها بتوقيع أقسى عقوبة على المتهمين وتوجيه تهمتى القتل والإصابة الخطأ إليهم، فيما طالب محامو أهالى الضحايا بإعادة القضية مرةً أخرى إلى النيابة العامة لتعديل القيد والوصف من جنحة قتلِ خطأ إلى جناية قتلِ عَمْد، وتوقيع أقسى عقوبة على المتهمين والمطالبة بالتعويض المدنى المؤقت.
ويذكر أن المحكمة عقدت 21 جلسة استمعت خلالها لإفادات وشهادات مسئولين تنفيذيين وبرلمانيين، بينهم قيادات بوزارة النقل، ووزارات أخرى، إضافة لهيئتي "النقل البحري" و"موانئ البحر الأحمر"، إلى جانب رئيس لجنة تقصي الحقائق البرلمانية، ورئيس لجنة إعداد التقرير الفني عن الحادث المأساوي.
وجاء تقرير مجلس الشعب مدينا بشكل لا لبس فيه لمالك العبارة ولجهات سيادية في مصر، لكن المحكمة لم تأخذ بما ورد في التقرير، مما دفع أهالي الضحايا للاعتقاد بأن الحكم الذي صدر في القضية أمس "سياسي" نظرا للصلات التي تربط مالك العبارة بأشخاص في الحكومة المصرية.
من ناحية اخرى، أكد مصدر قضائي أن حكم محكمة سفاجا لا يعد بالقوة القانونية التي تمكن من رفع اسم ممدوح إسماعيل وابنه من قوائم ترقب الوصول، الذي صدر بقرار من النائب العام - وقت الحادث - عقب هروبهما خارج البلاد بعد الحادث.
وأشار المصدر إلي أن حكم الجنح يسمي حكم أول درجة وليس نهائياً، والطعن عليه بالاستئناف يعيد القضية برمتها إلي نقطة البداية مرة أخري، ويجدد الاتهامات الموجهة لكل المتهمين فيها لتبدأ إعادة محاكمتهم من جديد أمام "محكمة المستأنف" باعتبارها المحكمة الأعلي، وتكون هيئتها صاحبة الحكم ذي الأثر الأكبر في التنفيذ، ولها الحق في أن تؤيد حكم أول درجة، أو تعدله أو تلغيه وتقضي بأحكام جديدة.